”أقسم بالله العظيم، أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه“
كان هذا هو قسم الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي أقسمه مرتين، مرة عندما تولى منصب وزير الدفاع، ومرة عند توليه رئاسة الجمهورية، وكل من سبقوه سواء من رؤساء الجمهورية أو الوزراء أقسموا بهذا اليمين، لكن رغم ذلك يكونون في طليعة من ينقضون هذا القسم.
وقد يتساءل البعض لماذا أتوجه للرئيس بالحديث وأختص به العنوان، بالرغم من أن المخالفات مصادرها متعددة وليست الرئاسة فقط، وأجيب على ذلك بأن الرئيس حالياً يجمع بين السلطة التنفيذية بصفته رئيس الجمهورية، والسلطة التشريعية لأننا حالياً بدون مجلس تشريعي – وهي بالمناسبة مخالفة دستورية من عدة نواحي – ، وبما أن الرقابة على السلطة يفترض أن تكون بيد السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس الشعب، وهو يجمع بين السلطتين، فهو المسئول إذاً عن كل المخالفات الدستورية التي تحدث منذ توليه الرئاسة، ولهذا فأنني أتوجه إليه بالحديث.
وإذا أردنا ألا ينطبق علينا ما قاله نجيب محفوظ في رواية الكرنك “زحزحوا المسؤولية من شخص لشخص حتى تستقر في النهاية فوق كاهل جمعة مسّاح الأحذية”، فيجب علينا أن يكون حديثنا صريحاً مباشراً كذلك.
جرّم دستور 2014 انتهاك أحكام الدستور وجعلها الجريمة الأولى قبل الخيانة العظمى طبقاً للمادة رقم 159 التي تقول «يكون اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك أحكام الدستور أو الخيانة العظمى.. الخ».
كما جاء الدستور ناطقاً بأن الأمة مصدر السلطات، لكن الدستور فيما نص عليه، أقر الأسس النظرية لسلطات الأمة فحسب، بينما الواقع من ناحية أخرى يدلنا دلالة لا ريب فيها على أن الشعب عنصر لا شأن له في تسيير دفة الدولة، فثمة عوامل اقتصادية واجتماعية تقلب الأوضاع رأساً على عقب فتنتقل مقاليد السلطة من يد الشعب لأيادٍ أخرى، وإذا أراد الشعب حقاً أن يتمتع بحقه في أن يكون مصدر السلطات، فالبداية تأتي من احترام الدستور.
وأبرز الانتهاكات بعد ثورة يناير – إن احتسبنا أن الثورة كانت مرحلة التغيير الكبرى في حياة المصريين والسبيل نحو الإصلاح الحقيقي – على سبيل المثال وليس الحصر بعهد الرئيس الأسبق «محمد مرسي» هو قيام «حكومة قنديل» بإرسال الموازنة العامة للدولة لمجلس الشورى لإقرارها دون عرضها على المواطنين.
وفي عهد الرئيس السابق «عدلي منصور» تم إقرار قانون التظاهر والذي أجمع العديد من الفقهاء الدستوريين على مخالفته للدستور، وأيضاً قرار إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية على عكس ما حدد الدستور، ثم تم انتهاك الدستور مرة ثالثة عندما استمر الاعتقال العشوائي للمواطنين وحبسهم شهوراً طويلة بدون تحويلهم للمحاكمة، والتمديد لهم مرة تلو المرة، ثم تم انتهاك الدستور مرة خامسة عندما سمحت الدولة بالتشهير بالمواطنين وانتهاك حياتهم الخاصة من خلال بث التسجيلات التي ليست بالضرورة صحيحة من أجل تأليب الرأي العام عليهم، ثم تم انتهاك الدستور مرة سادسة عندما تم تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الأمر الذي أدى لاتهامها بالتزوير في الانتخابات الرئاسية السابقة.
وفي عهد الرئيس «عبد الفتاح السيسي» جاءت أول الانتهاكات هو الغموض المحيط بإقرار الذمة المالية للرئيس والذي لم يتم الإعلان عنه حتى الآن، حيث نص الدستور في المادة رقم 145 من دستور 2014” يحدد القانون مرتب رئيس الجمهورية، ولا يجوز له أن يتقاضي أي مرتب أو مكافأة أخرى، ولا يسري أي تعديل في المرتب أثناء مدة الرئاسة التي تقرر فيها، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يزاول طوال مدة توليه المنصب، بالذات أو بالواسطة، مهنة حرة، أو عملاً تجارياً، أو مالياً، أو صناعيًا، ولا أن يشترى، أو يستأجر شيئا من أموال الدولة، أو أي من أشخاص القانون العام، أو شركات القطاع العام، أو قطاع الأعمال العام, ولا أن يؤجرها، أو يبيعها شيئا من أمواله, ولا أن يقايضها عليه, ولا أن يبرم معها عقد التزام، أو توريد، أو مقاولة، أو غيرها، ويقع باطلا أي من هذه التصرفات، ويتعين على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب، وعند تركه، وفى نهاية كل عام، وينشر الإقرار في الجريدة الرسمية، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يمنح نفسه أي أوسمة، أو نياشين، أو أنواط، وإذا تلقى هدية نقدية أو عينية بسبب المنصب أو بمناسبته، تؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة“.
وفي الأيام الأخيرة قام المحامي الخاص بالرئيس المخلوع «محمد حسني مبارك»، بالتهكم على ثورة 25 يناير المجيدة، دون أدنى اعتراض من القاضي، مما يمثل انتهاكاً صريحاً للدستور، وإهانة للشعب المصري الذي صوّت بنعم على الدستور، وإهانة للجنة الخمسين الذي قامت بكتابته ممثلةً عن الشعب المصري.
ومن المخالفات الدستورية أيضاً هي الأحزاب المبنية على أساس ديني وبشكل واضح تماماً مما لا يدع مجالاً للتأويل وذلك بحسب المادة 74 من الدستور، وبالرغم من أن تلك الأحزاب بالأساس تم تأسيسها في مراحل سابقة لحكم الرئيس السيسي إلا أننا كنا نأمل بالوصول معه لنقطة نظام للحياة الحزبية على أساس دستوري في مصر.
ولكي لا يتحول المقال عن هدفه، والذي هو بالأساس دعوة لاحترام الدستور الذي قمنا بالتصويت عليه سواء بالإيجاب أو بالرفض وإعمالاً للديمقراطية التي تعني النزول على رأي الأغلبية، حيث صوت على هذا الدستور طبقاً لإحصائيات اللجنة العليا للانتخابات 20,613,677 مواطن، منهم 19,985,389 بنعم، و 381,341 بلا، فإننا جميعاً ملزمين باحترام الدستور، والعمل به، والحث على ذلك، احتراماً لمبادئ الديمقراطية، واحتراماً لثورة 25 يناير المجيدة والتي كان من أهم مطالبها هو دستور جديد، يقوم على احترام المواطن وضمان انتخابات رئاسية حرة نزيهة.
نشر لأول مرة على موقع الحوار المتمدن بتاريخ 29 نوفمبر 2014