[dropcap]ما[/dropcap] أشبه الليلة بالبارحة، عندما خرج علينا «مبارك» قائلاً “قد يستمر تنفيذ قانون الطوارئ شهرا أو شهرين أو ثلاثة..لا أعتقد أنه سيستمر طويلا”.. ، وبرغم ذلك، استمر العمل به لما يزيد عن ثلاثة عقود، أي لأكثر من اثنين وثلاثون عاماً، وتطلب الأمر ثورة لإلغاء العمل بهذا القانون، وها هو النظام الجديد يخرج علينا بقانونٍ جديد، فهل يتطلب الأمر ثورة مماثلة لإلغاء العمل بقانون التظاهر؟
تلك المرة وعلى غير استحياء، خرج هذا القانون لأجل غير مسمى، غير محدود المدة، فقد تمت «شيطنة» الثورة، وكل ما يمت لها بصلة، وكان لابد من قانون لضبط هؤلاء الملاعين الذين يعيثون في الأرض فساداً وتم القبض على معظم شبابها والحكم عليهم بموجب هذا القانون الغاشم أو بغيره.
وإذا كان هذا القانون قد دشن حقاً لحماية المتظاهرين السلميين كما جاء على لسان رئيس الوزراء السابق «الببلاوي»، ولعدم تعطيل مصالح عموم البشر كما جاء في نص القانون، فإن القانون أيضاً جاء بطريقة واضحة ومحددة لفض أي مظاهرة قد تضر بنظام السير أو قد تتسبب في أضرار على المجتمع، فقد جاء في نص القانون في المادة الثانية عشرة أن “تلتزم قوات الأمن في الحالات التي يجيز فيها القانون فض أو تفريق الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة بأن تقوم بذلك وفقاً للوسائل والمرحل التالية…” وجاء على رأس تلك الوسائل هو التنبيه بالإنذارات الشفهية وبصوت مسموع، وإننا إذ شاهدنا ونشاهد ممارسات الشرطة يومياً من القبض على المواطنين تعسفياً أثناء الاحتفالات مثل احتفال 25 يناير وتوجيه تهم التظاهر بدون وجه حق للمواطنين، فإننا نتساءل عن مدى جدية الشرطة في الالتزام بالقانون ويجعلنا نتخوف من ممارسات الشرطة من خلال هذا القانون على غرار “قانون الطوارئ”.
وأقرب مثال لذلك واقعة القبض على ثلاثة من المتظاهرين بميدان “عبد المنعم رياض” لرفعهم لافتات مناهضة لـ”وزير الري”، وواقعة أخرى بالأمس القريب عندنا تم القبض على مجموعة من الشباب لرفعهم لافتات “الداخلية اتحرشت بيا”، بالرغم من حصولهم على تصريح، وبالرغم من أن نص القانون يلزمهم بإتباع إجراءات معينة قبل الوصول للقرار الأخير بالقبض عليهم.
وإذ ارتفعت الأصوات مطالبة بالمقارنة بين قانوني التظاهر الأمريكي والمصري في محاولة لإقناع البعض أن قانون التظاهر المصري أفضل بكثير نجد أن قانون التظاهر الأمريكي قد نص على أنه “لا يجوز للجهات الأمنية أن تتدخل في توجيه المظاهرات سواء بالقول أو العمل” في حين أن قانون التظاهر المصري نص على أنه يجب أن يتضمن الإخطار الذي يجب تسليمه إلى الشرطة “المطالب والشعارات التي يرفعها المشاركون في الموكب أو التظاهرة”، مما يعني أنه بالضرورة يجب ألا تقوم باستخدام شعارات لا ترضي الشرطة وإلا ستقوم بمنع المظاهرة بموجب الحق المتاح لهم من خلال هذا القانون أو ستقوم بالقبض عليك.
وإذا قلنا بأن هناك بعض القوانين التي تخص بعض الدول تقر مثل تلك الشروط على المتظاهرين كبريطانيا، فنقول بأن تكرار الخطأ لا يعني بالضرورة أنه سيتحول لصواب، وأميركا أو بريطانيا ليست المثل الأعلى الذي يحتذي به.
وإذا ناقشنا القانون من الناحية الدستورية فإننا أمام ثلاثة مواد تخالف الدستور بشكل صريح وهي المواد الثامنة والعاشرة والخامسة عشرة.
ففي المادة العاشرة تم إعطاء وزير الداخلية أو مدير الأمن صلاحية إلغاء المظاهرة أو إرجائها. وهذا يعنى ضمنياً ضرورة الحصول على تصريح مسبق بتنظيم المظاهرة مما يتعارض مع مبدأ الإخطار المنصوص عليه في الدستور
وتلزم المادة الخامسة عشرة كل محافظ بتحديد الحد الأقصى لأعداد المتظاهرين المسموح لهم بالتجمع داخل حدود منطقة التظاهر الحر التي ستنشأ داخل كل محافظة، مما ينال من حرية التظاهر والتعبير عن الرأي.
كما ويخالف القانون الوثائق الدولية التي وقعت عليها مصر فيما يتعلق بحرية التعبير عن الرأي ومنها المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966، والمادتين 19 و20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ومن وجهة نظري فإن هذا القانون يعد الأسوأ في سلسلة قوانين أصدرها رئيس الجمهورية السابق، والتي تتسم معظمها باحتوائها على مواد تخالف دستور 2014 والذي صوّت عليه بالإيجاب أكثر من 19 مليون مصري، وإزاء ذلك فأنا لا أدعو لإلغاء القانون بالكامل، ولكن أدعو لتعديله بما يتفق مع حقوق المصريين التي كفلها دستور 2014.