منذ أن ظهرت قضية جمال خاشقجي للعلن، تقمصت تركيا دور المدافع عن حرية التعبير في المنطقة. ورغم شراسة الحملة الشرسة التي شنتها وسائل الإعلام في البلدين، كل منهم مدافعا عن مموليه، وخائفا من بطش الساسة سواء في بلاد الأناضول أو شبه الجزيرة العربية، إلا أن تلك التقارير الصحفية والتلفزيونية استندت لبعض الحقائق.
قضية جمال خاشقجي تمس بكل يقين أي صحفي لديه ثوابت المهنة، وأي شخص في العالم لديه شذرة من إنسانية، والمقال التالي لا يدافع عن السعودية، ولا يدافع أيضا عن تركيا، إنما هي محاولة لوضع تركيا في مكانها الصحيح، كدولة تحتل المرتبة رقم 157 من أصل 180، في الترتيب العالمي لحرية الصحافة، بحسب تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود”.
في خطاب الرئيس التركي الأخير أمام البرلمان، دعا أردوغان، الملك سلمان، إلى محاكمة الـ”الثمانية عشر شخصا الذين ألقي القبض عليهم، الخمسة عشر شخصا زائد ثلاثة (…) في اسطنبول”. دعوة أردوغان تثير في الواقع تساؤلات واسعة، فأنقرة تدافع في هذا الخطاب عن صحفي سعودي، متناسية أن لديها – بحسب المعلومات الموثقة من واقع بيانات وكالة أنباء الأناضول- 234 صحفيا تم القبض عليهم، و149 مؤسسة إعلامية تم إغلاقها، منذ 15 يوليو 2016، فبأي حق دعا أردوغان إلى محاكمة متهمين مدانين بانتهاك دم وحقوق صحفي في بلاده؟.
هذا إن تحدثنا فقط عن حرية التعبير في تركيا، أما إذا فتحنا الباب للحديث عن الحريات واحترام القانون، فإن أنقرة لديها 115.827 محتجزا في السجون، و55.425 معتقلا على ذمة التحقيقات، منذ محاولة الانقلاب التي حدثت في يوليو 2016.
وأيضا شملت الحملة التي أطلقت بتوجيهات من أردوغان إقالة 138.148 شخصا من مناصبهم، بينهم 4424 قاضيا، و8271 أكاديميا، على خلفية إغلاق شركات ومدارس ومعاهد وجامعات، يقول إنها على صلة بالداعية الإسلامي فتح الله جولن، والذي يتهمه الرئيس التركي بالتخطيط للانقلاب الفاشل.
المعلومات السابقة لا تأتي دفاعا عن السعودية، فلكل مساوئه، فالمملكة من جانبها منعت خاشقجي من الكتابة مرة تلو المرة، إلى أن دفعه التضييق إلى الرحيل خارج المملكة، فقط لأجل الكتابة. بحسب ما قال في لقاء مع ّإذاعة “مونت كارلو”: “الكاتب يختنق إذا منع من الكتابة، وأتمنى أن تلغى عقوبة المنع من الكتابة من المملكة، لأنه مخالف لصريح النظام الأساسي للحكم، وحرية التعبير يجب أن تكون مضمونة، ولا يمنع أحد من الكتابة حتى بحكم قضائي”.
قتل جمال خاشقي هو جريمة بشعة بكل المقاييس، لكننا لا نقبل أن تصطاد تركيا في المياه السعودية العكرة في المرحلة الحالية، للحصول على مطامع بالشرق الأوسط، كما أننا لا نقبل أن يضيع دم جمال خاشقجي هباءً منثورا.
هذا المقال نشر أول مرة على بوابة التحالف بتاريخ 27 أكتوبر 2018.