مع قرب وصولي لعمر 34 سنة، كنت قد سئمت تماما من عشوائيتي المفرطة، ومحاولاتي اللامتناهية الفاشلة للسيطرة على تلك العشوائية و إدارة الفوضى بحياتي.
قد يقول البعض إنني ناجح، فأنا في النهاية مدير تحرير لواحدة من أكبر ثلاث مؤسسات صحفية خاصة في مصر، وسيرتي الذاتية مليئة بالخبرات سواء العملية أو العلمية، لكن في النهاية تقييمك الشخصي هو مرآتك الحقيقية.
بحثت في نفسي، ما الذي أريده حقا، ولماذا أسيطر على العشوائية، توطن السؤال الأخير في عقلي وأنا أشاهد مسلسل Stranger Things وأراقب دور الممثل David Harbour.
كان David يجسد مثالا لحياة لا مبالية، يعمل في قسم الشرطة نهارا، ويسهر ليلا في البارات يشرب الخمر ويسكر حتى الصباح، ويذهب في اليوم التالي إلى العمل وهو ثمل، ليس استهتارا لكن تعبيرا عن الملل التام بالبلدة التي يعيش بها.
حسدته حقا على تلك الحياة، لكن في الوقت نفسه أدركت أنني لست بذلك الشخص العابث الذي يلهو بحياته حتى يأتيه الأمر فيباغته ويجبره على الإنضباط.
لكني عشوائي بداخله انضباط لكن مغريات الحياة تدفعه للحياة، فرغم محاولاتي الجادة إلا أن كل ذلك يذهب سدى مع أي مسلسل أمريكي جيد، وقد شاهدت منها قرابة 6 آلاف و500 حلقة تمثل 5 أشهر و15 يوما من ساعات المشاهدة، ما بين 200 عمل فني.
وبصفتي أدرس الإدارة وأقدرها، أدركت خلال مشاهدتي لأحد فيديوهات المسار الرابع من شهادة إدارة المشروعات من Google، أن أحد مهارات مدراء المشروعات هي خلق أنظمة لتحويل الفوضى إلى نظام.
رحلتي مع إدارة الفوضى
فقلت في نفسي، لم لا أستغل حبي للسينما والتلفزيون إلى أمر أصبح خبيرا فيه؟ وفي الوقت نفسه أحافظ على تنمية مهاراتي كأحد المديرين بمؤسسة “الدستور”؟ ومن هنا وضعت النظام التالي:
كانت أهم أربع أشياء وقتها هي: القراءة، والكتابة، والمذاكرة، والمشاهدة. قررت لكل منها ساعة للقراءة، وأخرى للكتابة، وساعة للمذاكرة لاستكمال مشروعاتي الدراسية في حلقة التعليم المستمر التي وضعتها لنفسي، وساعة أو ساعتين لمشاهدة الأعمال الفنية.
ولأن قراءتي للسينما علمتني أن الأسلوب السينمائي الجيد هو الذي يستطيع فيه فريق العمل أن يتحد في لحظة ما ليقول: “عمل جيد، نحن جميعا نصنع نفس الفيلم”، فقررت أن تكون تلك الأشياء الأربعة متناغمة، لتصنع نفس الفيلم أو القصة، قصتي الشخصية.
لذا كان من الطبيعي أن تكون قراءتي عن السينما أستطيع بها الاستمتاع بساعة المشاهدة في آخر اليوم، ودراستي عن الإدارة استعين بها في الكتابة وتأدية مهامي الوظيفية بشكل جيد، كانت التجربة منذ اليوم الأول ممتعة.
لكني الآن وفي اليوم الأول حائر جدا، فتجربة تحديد وقت للكتابة من أصعب الأشياء، عن أي شيء أكتب، وما الذي يستحق الكتابة، وهل يستحق الأمر ساعة كاملة، وكيف تقضي ساعة كاملة في كتابة شيء أنت لا تعلمه، وها أنذا مجددا أهرب من الفوضى إلى فوضى جديدة، لكنها هذه المرة مضحكة قليلا.
وكما قال عادل إمام نقلا عن الشاعر المجهول:
ماذا أقول؟
وأي شئ يُقال بعد كل ما قيل؟
وهل قول يقال مثل قول قيل قبل ذلك؟
فكما قال الشاعر:
رب قول قيل في قولٍ.. خير من قولٍ قيل قبل أن يقال